كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه عن كعب الأحبار قال: لما أراد الله أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلّم أمر جبريل فأتاه بالقبضة التي هي موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعجنت بماء التسنيم، وثم غمست في أنهار الجنة وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا وفضله قبل أن تعرف آدم، ثم كان نور محمد يرى في غرة جبهة آدم، وقيل له يا آدم، هذا سيد ولدك من المرسلين، فلما حملت حواء بشيث انتقل النور من آدم إلي حواء، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلّا شيثا فإنه ولدته وحده كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلّم، ثم لم يزل. ينتقل من طاهر إلي طاهر إلي أن ولد صلى الله عليه وسلّم.
وقال ورقاء بن عمر عن ابن أبي الحجيج عن عطاء بن السائب ومجاهد عن مرة الهمزاني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله، أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في صلبه، وأهبطت إلي الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب نوح، وقذفت في النار في صلب إبراهيم، لم يلتق لي أبوان قط علي سفاح، لم يزل ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلي الأرحام النقية مهذبا، لا يتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، فأخذ الله لي بالنّبوّة ميثاقي، وفي التوراة بشّر بي، وفي الإنجيل شهر اسمي، تشرق الأرض لوجهي، والسماء لرؤيتي حتى لم يبق منها أحد»، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «قرنا»، بالنصب حال للتفصيل.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «حتى كنت من القرن الّذي كنت منه»، في رواية الإسماعيلي: «حتى بعثت من القرن الّذي كنت فيه» والقرن أهل زمان واحد متقارب، اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال: إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم علي ملة، أو مذهب، أو عمل، ويطلق القرن علي مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها، ذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين، وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم، ما يدل علي أن القرن مائة وهو المشهور.
وقال صاحب المطالع: القرن أمة هلكت، فلم يبق منهم أحد، وثبتت المائة في حديث عبد الله بن بسر، وهو ما عند أكثر أهل العراق، ولم يذكر صاحب المحكم الخمسين، وذكر من عشر إلي سبعين، ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال، وبه صرح ابن الأعرابي وقال: إنه مأخوذ من الأقران، ويمكن أن يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال إن القرن أربعون فصاعدا، أما من قال إنه دون ذلك فلا يلتئم علي هذا القول والله أعلم.
والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث الصحابة. قوله صلى الله عليه وسلّم: «وبعثت في خير قرون بني آدم»، وفي رواية بريدة عند الإمام أحمد: «خير هذه الأمة القرن الّذي بعثت فيهم»، وقد ظهر أن الّذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة، أو دونها، أو فوقها بقليل، علي الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين.
وأما قرن التابعين، فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم، فإن اعتبر منها، كان نحوا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله تعالي أعلم.
واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلي حدود العشرين ومائتين، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلي الآن، وظهر قوله صلى الله عليه وسلّم: «ثم يفشو الكذب» ظهورا بينا، حتى يشمل الأقوال، والأفعال، والمعتقدات، والله المستعان. فتح الباري: 6/ 712، 7/ 6- 7.
ومسلم: في كتاب الفضائل، باب [1]، فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث رقم [2276]: حدثنا محمد بن مهران الرازيّ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، جميعا عن الوليد، قال ابن مهران: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد، أنه سمع وائلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي قريشا من كنانة، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»، وباب [2] تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلّم علي جميع الخلائق، حديث رقم [2278]، حدثني الحكم بن موسي أبو صالح، حدثنا هقل- يعني ابن زياد- عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» قوله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله اصطفي كنانة»، قال الإمام النووي: استدل به أصحابنا علي أن غير قريش من الغرب ليس بكفء لهم، ولا غير بني هاشم كفؤ لهم، إلا بني المطلب فإنّهم هم وبنو هاشم شيء واحد، كما صرح به في الحديث الصحيح.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع»، قال الهروي: السيد هو الّذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الّذي يفزع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمّل عنهم مكارهم، ويدفعها عنهم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلّم: «يوم القيامة»، مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة، فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد، ولا يبقى مناع ولا معاند ونحوه، بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار، وزعماء المشركين.
وهذا التقييد قريب من معني قوله تعالي: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّار} 40: 16 مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا، فانقطع كل ذلك في الآخرة.
قال العلماء: وقوله صلى الله عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم»، لم يقله فخرا، بل صرّح بنفي الفخر في غير مسلم، في الحديث المشهور: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، وإنما قاله لوجهين:
أحدهما: امتثال قوله تعالي: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 93: 11.
والثاني: أنه من البيان الّذي يجب عليه تبليغه إلي أمته، ليعرفوه ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه صلى الله عليه وسلّم بما يقتضي مرتبته، كما أمرهم الله تعالي.
الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وسلّم علي الخلائق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وسلّم أفضل الآدميين وغيرهم، وأما الحديث الآخر: «لا تفضلوا بين الأنبياء»، فجوابه من خمسة أوجه:
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلّم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به.
والثاني: قاله أدبا وتواضعا.
والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلي تنقيص المفضول.
والرابع: إنما نهي عن تفضيل يؤدي إلي الخصومة والفتنة، كما هو المشهور في سبب الحديث.
والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة، فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى، ولابد من اعتقاد التفضيل، فقد قال تعالي: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} 2: 253.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «وأول شافع وأول مشفع»، إنما ذكر الثاني لأنه قد يشفع اثنان، فيشفع الثاني منهما قبل الأول، والله تعالي أعلم.
والترمذي: في أبواب المناقب، باب [20] ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلّم حديث رقم [3850]:
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة قال: «جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكأنه سمع شيئا...»، قال جامعه قد أشار إلي هذا الحديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في شعره المشهور عنه، خرج أبو بكر الشافعيّ قال: حدثني أبو الشيخ محمد بن الحسين الأصفهاني، وعبد الله بن محمد بن ياسين قالا: حدثنا زكريا بن يحي بن عمر بن حصن بن حمير عن منهب بن حارث بن خريم بن أوس بن حارثة قال: قال خريم بن أوس: «هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسلمت فسمعت العباس رضي الله عنه يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فقل لا يفضض الله فاك، فأنشأ العباس يقول: فقام النبي صلى الله عليه وسلّم علي المنبر فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول الله عليك السلام، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وروي عن سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، نحو حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب.
قوله: «جاء العباس»، أي غضبان «وكأنه سمع شيئا»، أي من الطعن في نسبه أو حسبه، «فقال: من أنا؟» استفهام تقرير علي جهة التبكيت، فقالوا: أنت رسول الله، فلما كان قصده صلى الله عليه وسلّم بيان نسبة وهم عدلوا عن ذلك المعني، ولم يكن الكلام في ذلك المبني، «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب»، يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب.
قال الطيبي: قوله: «فكأنه سمع»، مسبب عن محذوف، أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعنا من الكفار في رسول الله صلى الله عليه وسلّم، نحو قوله تعالي: {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ من الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} 43: 31، كأنهم حقّروا شأنه، وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين، كالوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثقفي مثلا، فأقرهم صلى الله عليه وسلّم، علي سبيل التبكيت، علي ما يلزم تعظيمه وتفخيمه، فإنه الأولى بهذا الأمر من غيره، لأن نسبه أعرف، ومن ثم لما قالوا:
أنت رسول الله، ردّهم بقوله: أنا محمد بن عبد الله. تحفة الأحوذي: 10/ 54.
وابن الأثير في جامع الأصول: 8/ 536، حديث رقم [6338]، رقم [6339].
والإمام أحمد في المسند: 1/ 345، حديث رقم [1791]، حديث رقم [1793].
وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: 8/ 198، عند تفسير قوله تعالي من سورة الأعراف:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} 26: 217- 219، قال ابن عباس: في أصلاب آدم، ونوح، وإبراهيم، حتى خرجت.
وابن كثير في التفسير: 3/ 365، وروى البزار وابن أبي حاتم، من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية {وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} 26: 219: يعني تقلبه من صلب نبي إلي صلب نبي، حتى أخرجه نبيا.
من قبلها طبت في الظلال وفي ** مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد ولا بشر ** أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد ** ألجم نسرا وأهله الغرق

وردت نار الخليل فكنتما ** تجول فيها فليس تحترق

نقلت من صالب إلي رحم ** إذا مضي عالم بدا طبق

حتى احتوى بيتك المهيمن من ** خندف علياء تحتها النّطق

وأنت لما ولدت أشرقت الـ ** أرض وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي النـ ** ور وسبل الرشاد نخترق

قوله: في الظلال، يريد ظلال الجنة حيث كان كونه صلى الله عليه وسلّم في صلب آدم عليه السلام.
ويشير بقوله: مستودع، إلي موضع آدم وحواء من الجنة، وقيل المستودع: النطفة في الرحم.
ويشير بقوله: يخصف الورق إلي قوله تعالي حكاية عن آدم وحواء:
{فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما من وَرَقِ الْجَنَّةِ} 7: 22.
وفي رواية: وأهلها الغرق، كأنه عني أهل الأرض أو البلاد لتقدم ذكرها، ويكون الضمير في قوله: نسرا وأهله، عائد علي قوم نوح المغرقين، يريد:
كنت يا محمد في صلب آدم وهو في الجنة، ثم لما هبط إلي الأرض هبطت في صلبه، وتنقلت من بعده في الأصلاب حتى ركبت مع نوح عليه السلام السفينة وأنت في صلبه، لما غرق قوم نوح بالطوفان من أجل كفرهم باللَّه عز وجل، وعباده الأصنام التي هي ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وعبّر عن السفينة بالسفين، وهو جمع سفينة، يقال: سفينة وسفين، وتجمع علي سفن والسفائن أيضا.
وقوله: وردت نار الخليل، يريد أنك كنت في صلب إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار فلم تحرقه.
وقوله: تنقل، وفي رواية: نقلت من صالب إلي رحم، يريد من صلب ذكر إلي رحم امرأة، وفي الصلب ثلاث لغات: بضم الصاد وإسكان اللام، وصلب بضم الصاد واللام جميعا، وصلب بفتح الصاد واللام معا، حكي هذه الأخيرة في مختصر العين.
وقد روى تنقل من صلب، ورواية صالب أشهر، والصالب بمعني الصلب لغة قليلة.
وقوله: إذا مضي عالم بدا طبق، يريد بالطبق القرن لأنهم طبق الأرض، فينقرضون ويأتي طبق آخر.
وقوله: حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف، قيل: حتى احتوى بيتك المهيمن أي يا مهيمن من خندف علياء فأقام البيت مقامه صلى الله عليه وسلّم لأن بيته إذا حل بهذا المكان فقد حل هو به، وهو كما يقال: بيته أعزّ بيت، وإنما يراد صاحبه، واعترض علي هذا بأنه إذا عبر بالبيت عنه صلى الله عليه وسلّم فإنه كما قال زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة والنّدى ** في قبة ضربت علي ابن الحشرج

فإن هذا وإن كان ممكنا، لا ضرورة تدعو إليه، إذ بقاؤه علي ظاهره ممكن، وهو مدح أهل بيته صلى الله عليه وسلّم وهو داخل فيهم، فإن مدح بيت الرجل قد يكون أبلغ في مدحه.
فإن قيل: هذا مثل من العباس، أي جعلك الله عاليا وجعل خندف كالنطاق لك، قيل: هذا لا يقتضيه اللفظ إلا بإكراه وتقديم وتأخير، بأن يكون تقديره:
حتى احتويت واحتوى بيتك علياء تحتها النطق من خندف، وإنما الوجه أن يكون المعني: احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء كل النطق تحتها، أو يعلق من خندف بعلياء أي علياء من خندف كل نطاق دونها أو تحتها.
والنّطق: هي أوساط الجبال العالية.
والمهيمن: الشاهد، كأنه حتى احتوى شرف بيتك الشاهد منه الفرع الّذي هو أنت علي طيب الأصل، ويمكن أن يكون قد عبّر بالنطق عن ذوات النطاق، والنطق: جمع نطاق، والنطاق: إزار له تكة تنتطق به المرأة، وكأنه لما قال: أنه احتوى علياء خنندف، والقبيلة إنما سميت بالمرأة، حسن أن يقال: أن هذه العلياء التي احتواها دونها علياء كل ذات نطاق، هي أم الشخص أو القبيلة، ويمكن أن يكون مأخوذا من نطاق البيت وهو ما يراد عليه من خشب يجمع أركانه، فكأنه لما وصف شرفه الليالي وكني عنه البيت، رشّحه إلي ذكر النطاق المستعمل للبيت، أي تحت علياء بيته نطاق كل بيت.
وقيل معناه: حتى احتويت يا مهيمن من خندف علياء، يريد النبي صلى الله عليه وسلّم فأقام البيت مقامه، لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حلّ به صاحبه، وأراد بيته شرفه، والمهيمن من نعته، كأنه قال: حتى احتوى شرفك الشاهد علي فضلك علياء الشرف من نسب ذوي خندف إلي تحتها النطق- وهي أوساط الجبال العالية- وخندف: هي امرأة إلياس بن مضر بن نزار، فنسب إليها ولد الناس.
وقيل: أراد بقوله: النطق، العفاف من لبس المرأة النطاق ليحصنها، فيكون النطق بمعني نطاق، أي تحتها نطاق العفاف، وقيل: النطق، جمع ناطق، وقيل:
النطق: جمع نطاق، وهو الّذي يشده الإنسان علي وسطه، ومنه المنطق، وهذا من العباس رضي الله تعالى عنه مثل، أي جعلك الله عاليا، وجعل خندف كالنطاق لك، والله أعلم.
وقد روى أن جبير بن مطعم قال: لما بعث الله تعالي نبيه صلى الله عليه وسلّم فظهر أمره بمكة خرجت إلي الشام، فلما كنت ببصرى أتاني جماعة من النصارى فقالوا لي:
من أهل الحرم أنت؟ قلت: نعم، قالوا: فتعرف هذا الّذي تنبأ فيكم؟ قلت: هي ليلي بنت حلوان بن عمران، وكان إلياس خرج في نجعة فنفرت إبله أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها وطبخها، وانقمع عمير في الخباء، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف في إثركم، فلقبوا: مدركة، وطابخة، وقمعة، وخندف ترتيب القاموس: ج 2 ص 115، الأعلام للزركلي: ج 6 ص 116، معجم قبائل العرب: ج 1 ص 40.